شيوخ اليوم شباب الأمس

المدينة المنورة- الثلاثاء 6 سبتمبر 2011 /بان اورينت نيوز/
بقلم الكاتب الأديب محمد بشير علي كردي - خاص لوكالة بان اورينت نيوز

وصلتُ طوكيو صيف عام 1963. كان الشارع الياباني حينذاك منفعلاً وناقمًا على ما آلت إليه هيبة الحكم من ضعف بإسناد قيادة حزبه الأوَّل ورئاسة مجلس الوزراء لشاب في "مقتبل العمر" لا يملك من الخبرة ما يؤهِّله لإدارة شؤون بلد يعمل شبابه وشبَّانه لإعادة بناء ما أتت عليه الحرب العالميَّة الثانية من تدمير للبنية التحتيَّة والاقتصاديَّة.

الشاب الذي كان موضع الاعتراض، هو السيَّد إيكيدا، وكان له من العمر ثلاثٌ وستُّون عامًا، كما ذكر لنا، سعادة السفير الشيخ أحمد عبد الجبَّار أثناء تناولنا شاي الصباح في مكتبه، عادة درج عليها ليتأكَّد من حضور طاقم السفارة عند الساعة التاسعة، بدء الدوام الرسمي.

أذكر أنَّني استفسرت يومذاك عمَّا إذا كان عمر السيِّد إيكيدا ستًّا وثلاثين عامًا، وليس ثلاثٌ وستُّون! أكَّد سعادته بأنَّها ثلاثٌ وستَّون عامًا، وناولني صحيفة اليوم لقراءة الخبر والتأكُّد من صحَّته. أضاف بأنَّ اليابانيِّين يولون الخبرة أهمِّيَّة كبرى. ففي تقديرهم أنَّ سنوات ما قبل الثامنة والستِّين هي لاكتساب الخبرة والمعرفة، وما بعدها لتطبيق تلك الخبرة وما اكتُسِبَ من مهارات لإدارة ما يوكل للمسؤول من مهام قياديَّة.

في الأمس القريب، قرأت خبرًا عن استقالة رئيس الوزراء السيِّد ناوتو كان من قيادة الحزب ورئاسة الوزارة لعجزه عن تحقيق وعودٍ انتخابيَّة للشعب تُصلح بيئيًّا ما أفسدته الزلازل والتسونامي التي ضربت شمال اليابان، وما لحق بمفاعل فوكوشيما من أضرار بيئيَّة واقتصاديَّة، ولتخفيف تداعيات الأزمة الماليَّة العالميَّة التي تسبَّبت بها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وألقت بظلالها المؤلمة والمفجعة على بلدان العالم كافَّة. ولأنَّه قد تقدَّم في العمر وبلغ الثالثة والستِّين، فإنَّه يفسح المجال للشباب لإدارة دفَّة الحكم!

قلت: سبحان مغيِّر الأحوال! فمع دخول القرن الحادي والعشرين، تربَّع على كراسي الحكم في الدول المتحكِّمة بسياسة العالم واقتصاده شباب في عمر الورد ذوي رؤية مستقبليَّة ممَّا قد يقلب سياسة مَن سبقهم من الساسة والاقتصاديِّين رأسًا على عقب، ولا غرابة في ذلك. فقد اشتريت مؤخَّرًا واحدًا من الجيل الثالث من أجهزة الهانف الذكيَّة، ولمَّا عجزت عن تشغيله وإنزال البرامج التي من أجلها اشتريته، إذ بحفيدتي الصغيرة وهي تلاحظ حيرتي وارتباكي، تتناوله من يدي وتتعامل معه كأنَّه دمية، وتنجز بدقائق ما عجز عنه جدُّها، وأعادته لي بابتسامة الواثق ممَّا فعل، وهي تغمز لي بعينها كأنَّها تقول: "أعط الخبز لخبَّازه." وشرحت لي طريقة التعامل مع الجهاز كأنَّها خبيرة، لقاء قبلة طبعتها على خدِّها مع أمنياتي لها وللأجيال الناشئة بمستقبل واعد بمزيد الخير والعطاء.

محمَّد بشير علي كردي: أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان


سعد الخبايا: مارس. 22


فنون وثقافة