التسعير العادل لبرميل النفط يقضي ربط الدولار بالذهب

ماربيا- اسبانيا- الخميس 30 سبتمبر 2011
بقلم الكاتب الأديب محمد بشير علي كردي – خاص لوكالة بان اورينت نيوز

صديق من اليابان، محافظ على الودِّ والاتِّصال، ويتابع باهتمام العلاقات الاقتصاديَّة بين بلده وبلداننا المنتجة للطاقة التي تزوِّد اليابان باحتياجاته من البترول والغاز، يسأل عمَّا إذا كانت أسعار البترول في هذه الأيَّام معقولة لا مغالاة فيها! ويعتقد أنَّ الأزمة الاقتصاديَّة التي يعاني منها العالم، ستكون شديدة على بلده الذي تعتمد على استيراد كلِّ ما تتطلَّبه صناعتها من مواد أوَّليَّة، ولا سيَّما واليابان تكرِّس كلَّ جهدها لإصلاح الأضرار التي لحقت بها نتيجة الزلزال والتسونامي الذي ضرب شمال شرق البلاد ودمَّر المفاعلات النوويَّة في فوكوشيما.

أبديت له أنَّنا في المملكة وفي البلدان الجارات المنتجة للطاقة، نشعر بالحزن العميق لتداعيات التسونامي والزلزال والأضرار التي لحقت بالمفاعلات النوويَّة في فوكوشيما التي ما تزال إشعاعاتها الضارَّة بالإنسان وبالبيئة مصدرَ قلق للجميع. أمَّا عن أسعار الطاقة التي يراها مرتفعة ومبالغًا فيها، هي في تقديري متدنِّية للغاية قياسًا بأسعار المنتجات الصناعيَّة والمواد الغذائيَّة التي ترتفع أسعارها بشكل متواصل مسبِّبة قلقًا لغالبيَّة سكَّان كرتنا الأرضيَّة، وقد زادت معاناتهم مع تباطؤ النموِّ الاقتصادي، وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل بينهم.

رجوتُه أن يلقي نظرة سريعة على أسعار المواد الاستهلاكيَّة اليوم وما كانت عليه يوم تعارفنا الأوَّل في طوكيو صيف عام 1963. آنذاك، كانت الشركات المتحكِّمة بإنتاج الطاقة في بلدنا تدفع لنا نحو ثلاثة دولارات ونصف الدولار عن كلِّ برميل بترول ينتج ويصدَّر.

وكنَّا بعائد عشرة براميل بترول نستورد ما قيمته أونصة من الذهب من منتجات اليابان والدول الصناعيَّة الأخرى. اليوم، نحتاج لبيع ما يقارب العشرين برميلاً من البترول لاستيراد ما قيمته أونصة من الذهب!

يتساءل صديقي عن علاقة الذهب بهذه المعادلة؟ رجوته أن يوجِّه سؤاله للخزينة الأمريكيَّة التي كانت تغطِّي كلَّ 35 دولارًا أمريكيًّا ورقيًّا بأونصة من الذهب، وألغته في الخامس عشر من أغسطس 1971 في عهد طيِّب الذكر الرئيس نيكسون لتغطية نفقات الحروب الباهظة التي شنَّتها في شرق قارِّتنا الآسيويَّة مُتذرِّعة بأنَّ سمعة الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ومكانتها أقوى من الذهب!

وليس مُستغربًا ما نحن فيه الآن، وما نراه اليوم من قيمة دولار ورقيٍّ لا غطاء مادِّي له إلاَّ ثمن الورق والحبر وتكاليف الطباعة.

هذا الدولار، للأسف يتحكَّم في تجارة العالم واقتصاد بلدانه وحياة شعوبه.

وما أن زال الغطاء عن الفساد المالي والمصرفي في الولايات المتَّحدة في عهد الرئيس جورج بوش حتَّى حلَّت الكارثة الاقتصاديَّة على مستوى العالم، وتمكَّنت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة من شفط معظم ادِّخار الدول والأفراد لتنقذ ما يمكن إنقاذه من تدهور أوضاعها الاقتصاديَّة والمعاشيَّة.

أضفتُ بأنَّنا لو ماثلنا أسعار عدد من المنتجات والخدمات اليوم بما كانت عليه يوم تعارفنا في اليابان، ووضعنا الذهب مقياسًا لأسعار اليوم وأسعار الأمس لوجدنا أنَّ الأسعار ما تزال على ما هي عليه. ودلَّلت على ذلك بإيجار الشقَّة الشهري في طوكيو التي أقمت فيها السنوات الستِّ الأولى التي أمضيتها هناك (1963 لغاية 1969)، كان 720.000 ينًّا يابانيًّا (200 دولار أمريكيٍّ) وفقًا لسعر تعادل الين بالدولار في تلك السنوات، أي ما قيمته 5.715 أونصة ذهبيَّة، وهذه بسعر اليوم، تقارب 10.000 دولارًا أمريكيًّا، وهو اليوم إيجار شقَّة مماثلة في الحيِّ ذاته الذي كنت أقيم فيه.

أنهيت الحديث مؤكِّدًا على أنَّ الموارد الطبيعيَّة الثابتة والمنقولة كالذهب هي التي يجب ربطها بالعملات الورقيَّة، فالسمعة لم تعد كافيه ما دامت سنَّة الحياة دوران الزمن كالناعورة ترفع الماء من أسفل إلى أعلى وتلقي بما حملته من علٍ إلى أسفل. فالحياة دواليك، ويوم لك، ويوم عليك.

محمَّد بشير علي كردي: أديب، وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان


بان اورينت نيوز


عزاء لليابان: فبراير. 01


أعمال واقتصاد