رمال سعوديَّة في اليابان: معهد ياباني ينتظر رد المملكة

الرياض- الأحد 6 نوفمبر 2011
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي- خاص لوكالة بان اورينت نيوز

واجهتني بُنَيَّتي هذا المساء وهي رافعة إصبعها الخنصر على طريقة اليابانيِّين بما يفيد تأكيد الوعد، مردِّدة بصوت مرح: وعد الحرِّ دَين عليه. وقد وعدتني بحديثك مع الخبراء اليابانيِّين عن ظاهرة التصحُّر التي تعاني منها المملكة وبلدان حزام القارة الأفريقيَّة من شرق مجرى النيل إلى شواطئ المحيط الأطلسي، فهلاَّ فعلت؟

لكن، هل تواجه اليابان ظاهرة التصحُّر، ولديها خبراء يمكنهم إسداء النصيحة لشعوبٍ تعاني من قضم الرمل أخضرها ليزيدها فقرًا وجوعًا ومرضًا، ويدفع قبائلها للتقاتل فيما بينها من أجل الماء والكلأ، ولحفظ البقاء، وقد جعل الله من الماء كلَّ شيء حيٍّ!

أجبت بأنَّه بعد التقصِّي والتحرِّي والاستفسار من الجهات الرسميَّة والصديقة، عرفت بوجود صحراء في ضاحية تسوكوبا في مدينة إيباراكي محدودة المساحة تصلح لدراسة ظاهرة التصحُّر التي تلتهم بشراسة المساحات الخضراء حول الحزام الذي يلف الكرَّة الأرضيَّة، وأنَّ لجامعة مدينة تسوكوبا مركزًا دوليًّا لبحوث العلوم الزراعيَّة (Japan International Research Center For Agricultural Sciences) يستقطب الأساتذة والباحثين والطلبة من مختلف دول العالم للمشاركة في الأبحاث للتوصُّل إلى طرق تحدُّ من التصحُّر، وتزيد من المساحات الخضراء، فشددت الرحال إلى ذلك المعهد.

لكم كانت دهشتي وأنا أسمع ترحيب عميد الكلِّيَّة بلغتي العربيَّة مرحِّبًا: السلام عليكم، وأهلاً وسهلاً بسعادة السفير، أنا البروفسور إيناناجا. انتقل بعدها للحديث باللغة الإنجليزيَّة ليعبِّر عن بالغ سروره وتقديره لهذه الزيارة من سفير دولة لها الفضل في وجوده بهذا الموقع المميَّز.

وتابع مضيفًا بأنَّه خرِّيج كلِّيَّة العلوم في جامعة طوكيو (الجامعة التي تَخرَّج منها معظم عباقرة اليابان من رجال مال وأعمال وأدب وسياسة.) وأنَّ جامعة الملك سعود في الرياض كانت مقرَّ عمله الأوَّل بعد التخرُّج. وهناك أدرك ما للتصحُّر والجفاف ونقص موارد المياه من تأثير في مستقبل التنمية في بلدان عديدة، منها المملكة. فقرَّر بعد انتهاء مدَّة تعاقده مع الجامعة العودة إلى اليابان، والتخصُّص بظاهرة التصحُّر التي تعرقل التنمية في بلدان عديدة، فكان له هذا الموقع في هذا المعهد. يعمل مع فريق من المختصِّين من العديد من جامعات العالم، ويجرون معًا تجارب واختبارات على عيِّنات من رمال البلدان التي يغزوها التصحُّر والجفاف.

ونقلني معه إلى حقل تجاربٍ مُصغَّرٍ عن جزيرتنا العربيَّة، رماله مستوردة من المملكة، ومحفوظة بدرجات حرارة ورطوبة مع سرعة رياح متوافقة ومتزامنة تمامًا مع ما هي عليه في المملكة. يراقب فيها الخبراء أثر تقلُّبات درجات الحرارة والرطوبة والجفاف وسرعة الرياح وما قد يهطل من أمطار على التربة تباعًا. ويتدارسون في ضوء ذلك ما يمكن الاستفادة منه لتخضير التربة مجدَّدًا، ولابتكار سبل إعادة المياه المُهدرة، واستحداث تقنية زراعيَّة حديثة تعتمد على قليل من الماء في سبيل الحصول على الكثير من الخضرة والمنتجات الزراعيَّة التي تنمو على حافَّة التقاء المساحات الخضراء مع الرمال الغازيَّة لصدِّها ومنع تقدُّمها ومن ثمَّ تراجعها. أطلعني على عيِّنة من نباتات غُرست في حقل تجارب صحراء المملكة لتثبيت التربة وإعطاء محصول يوفِّر الأمن الغذائي. كانت العيِّنة شتلات من الطماطم تحمل حبَّات كبيرة الحجم، ولا تحتاج إلاَّ لقليل من المياه.

ذكر لي أنَّ في المعهد طلبة يحضِّرون للماجستير والدكتوراه ليعودوا إلى بلدانهم ويعملوا في مجال تثبيت التربة واستعادة ما يمكن استعادته من المساحات الخضراء.

وقال بأنَّ المعهد منذ أن فتح أبوابه وباشر أبحاثه، دأب على توجيه دعوات لمراكز الأبحاث والجامعات في دول العالم كافَّة، ومن بينها جامعات المملكة لمشاركة مدرِّسين وباحثين بأجر مدفوع، وتقديم منح دراسيَّة لتدريب الطلبة وتأهيلهم علميًّا لدرجة الماجستير والدكتوراه. وذكر بأنَّ جامعات عديدة ومن بينها جامعات ومراكز أبحاث في عدد من الدول المحيطة بالمملكة استجابت لدعوته.

وأضاف مُستغربًا بأنَّه لم يتلقَّ بعد ردًّا على دعوته من جامعات البلد الذي مهَّد له التخصُّص في هذا المجال، ومن ثمَّ إدارة هذا المعهد!

ولأنَّه كان يودُّ ردَّ الجميل للمملكة، رجاني أن أبلغ المسؤولين في المملكة عن ما شاهدته في معهدهم من أبحاث، ومَن لقيتهم من أساتذة مشاركين وطلبة يتدرَّبون من جنسيَّات متعدِّدة. وعدته خيرًا، وقد رفعت تقريرًا مفصَّلاً عن الزيارة لوزارة الخارجيَّة مشفوعًا بكتيِّبات ونشرات وإسطوانات فيديو.

غادرتُ اليابان دون أن أعرف مدى الاستجابة لتقريري، وإن كنت أتوقَّع أنَّ قناة قد فُتِحَت بين هذا المعهد ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض.

محمَّد بشير علي كردي: أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز



اليابان والدول العربية