صوتُ الحقِّ في ضجيجِ الباطل

مدريد – الجمعة 5 سبتمبر 2014
بقلم محمَّد بشير علي كردي

عادت رشا إلى مدريد بعد أن أمضت شهر الإجازة الصيفيَّة بين المُهجَّرين السوريِّين في كلٍّ من تركيا والأردن ولبنان مُشرفة على توزيع الأدوية والملبوسات التي قدِّمتها لهم الأُسر الإسبانيَّة تعبيرًا عن التضامن مع أهالي المشرق العربي الذي قَدِمَ منه عبد الرحمن الداخل مُعطيًا لبلدهم دورًا حضاريًّا رائدًا على مدى عقودٍ عديدة من الزمن. وكعادتها في لمِّ شملِ الأصدقاء، وجَّهت عبر رسائل الهاتفِ النقَّال، ورسائل التواصل الاجتماعي، الوسيلة المُتَّبعة هذه الأيَّام دعواتٍ للاجتماع.

ولمعرفتي بأنَّ حديثها سيتناولُ ما آلت إليه الأحوالُ في مشرقنا العربي مِن فِتَنٍ وخروجِ فئات من بني قومنا على روح المحبَّة والتسامح التي حملتها رسالة السيِّد المسيح، ومن بعدُ رسالة نبيَّنا محمَّد بن عبد الله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أجبتُ برسالة اعتذارٍ مُقتضبةٍ مُعَلِّلاً الأمرَ بوعكةِ الزُّكامِ، و "في فَمَيَ ماء!"

لَم يَنْطَلِ عليها العذر، فهي تعرف ما أعنيه بـ "في فمي ماء". ظهور ما يُسمى بـ "داعش" حاملةً راية التوحيد "لا إله إلا الله محمَّد رسول الله"، وممارسَةِ القتل والتدمير بما يتنافى مع كلِّ القيم والأخلاق في كلِّ الأديان، وفي مقدِّمتها ديانتنا السمحاء، أمر يكاد لا يُصدَّق لولا مشاهدته عبرَ أشرطة الفيديو التي تتبارى وسائل الإعلام العالميَّة والإقليميَّة في نشرها لِتُثير المزيد من الذعر بين أهالي بلاد الشام والرافدين بعد ادِّعاء داعش إقامة "دولة الخلافة" الذي لا سَنَدَ له في الشريعة الإسلاميَّة. ولتنفيذِ مُخطَّطاتِهم، اهتدى أعداء الإسلامِ إلى مُحاربتِهِ من داخِلِهِ كدأبِ أجدادهم، وما يزالونِ.

لَمْ يُخفِ هؤلاءِ طويَّتَهُم، فما أن انتهت الحربَ العالميَّة الباردة بانهيار الاتِّحاد السوفيتي حتَّى بادرَ الفريق المنتصر علانيةً بسياسة "الإجهاز على المسلمين" والعرب منهم خاصَّة. وتتابَعَ المُسلسلُ بِظهور "داعِش". ويجدرُ بنا أن نتساءلَ: مَن وراءَ هذه الفئةِ الضالَّة التي تحملُ رايةَ الإسلامِ وتُمعِن في تفتيت لُحْمَةِ الأمَّةِ العربيَّة وتمزيق نسيجِ وحدتها التي نشأ أفرادها، وترعرعوا على المحبَّة والإخاء بين جميع المواطنين على تعدُّد دياناتهم ومذاهبهم امتِثالاً لقولِ ربِّ العالمينَ في القران الكريم: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾

بجرأتها المعودةِ، اتَّفقت رشا مَعَ الأصدقاء الذين لبُّوا دعوتها على أن يكون الاجتماعُ في منزلي على فنجان قهوة عربيَّة مَعَ تمر السعوديَّة بحجةٍ ظاهرها الاطمئنانُ على صحَّتي، وباطنها الحديثُ عن المواضيع التي آثرت عدم الخوض فيها لِما شاب بواعثها من غموض وإشارات استفهام عديدة عمَّن وراء هذه الحملة الشرسة في وقت يسعى المجتمع الدولي المحبُّ للسلام وضع صيغة يقبلها طرفا الصراع في فلسطين، تؤدِّي إلى قيام دولة فلسطينيَّة على حدود حزيران/ يونية ١٩٦٧ وفقًا للمبادرة العربيَّة التي صاغها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز لمَّا كان وليًّا للعهد.

كان لقاء أصدقاءَ وَجِيرةٍ. بادرت رشا بالحديث مُثمِّنة دعوة خادم الحرمين الشريفين العالم عبر السفراء الذين استقبلهم في جدَّة الأسبوع الماضي لِمشاركة المملكة في حربها على الإرهاب الذي تمارسه داعش وجماعات إرهابيَّة تتخذُ من الاسلام غطاء لها تُساندها. مُحذِّرًا: إذا لم يتم القضاء على هذه الفئات الضالَّة، فإنَّ إرهابها سينتقل إلى أوروبا، ومن بعد إلى الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. وأضافَتْ بأنَّ المملكة سبقَ أن واجهت إرهابًا مُماثلاً مِن فئاتٍ تظاهرت بمساندةِ الملك عبد العزيز وهو يوحِّد أطراف الجزيرة العربيَّة من الخليج إلى البحر الأحمر، وما عَتَم أن حاولتِ الانقلابِ عليه لتستولي على السلطة، وتحكمُ خلافًا لما أنزل الله من سُنَن وأحكامٍ حينما أخذ طيَّب الله ثراه بأسبابِ نقل المعرفة ووسائل الاتِّصال من عربات وأجهزة راديو من "صُنع النصارى" في الغربِ، لإتاحَةِ نيلِ المواطنين حقَّهم في المعرفة والتعلُّم الذي كان في نظر الفئة المُنْقلبة عملاً من أعمال الشيطان. فما كان مِن جلالته إلاَّ أن استخدم القوَّة المسلَّحة للقضاء على حركتهم. واقتضت حكمته رحِمَه الله أن وجدَ استقرارُ الوضعِ والعيش في أمن وأمان وتقدِّم وازدهار طوال ما يزيد على مائة عام.

وعلى هَدي تجربةِ مؤسِّس المملكة في التعامل مع الإرهاب الذي يحمل "راية التوحيد" غشًّا وافتراءً، كانَ تحذيرُ خادم الحَرَمين الشريفين للعالم، ودعوته المجتمع الدولي للعمل يدًا واحدة للقضاء على الإرهابيِّين والمُتاجربن باسم الإسلام، والإسلام منهم براء.

في ختامِ الجلسة، تمنَّى الحضور أنْ يُكلِّل اللهُ مساعي خادم الحرمين بالنجاح في القضاء على الإرهاب حتَّى يعود لبلاد العراق والشام وحدة أراضيها وتعايش مواطنيها على ما نشأوا عليه من محبَّة ووئام مُسْترشدين بـ "العهدة العُمَريَّة" التي ضمنت للنصارى كامِلَ حقوقهم في ممارسة عقيدتهم.

محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان


عزاء لليابان: فبراير. 01


رأي