جولةً الخير وكف العطاء

مدريد في 28 فبراير 2017
بقلم محمَّد بشير علي كردي

"واشدد عضدك بأخيك." والإخوة متعدِّدون؛ إخوة بالولادةوإخوة بالاختيار من زملاء الدراسة والعمل أو الجيران، وأخوة في الوطن، وأخوة في القوميَّة، وأخوة في العقيدة، وأخوة في الإنسانيَّة.
وقد أكرمنا الله، نحن سكَّان الأراضي المقدَّسة أن نشترك في أخوَّة العقيدة مع ألوف الملايين من سكَّان قارَّتنا الآسيويَّة الذين يتَّجهون إلى الكعبة المشرَّفة في مكّة المكرَّمة خمس مرَّات في اليوم والليل مؤدِّين صلواتهم. وتنبع هذه الأخوَّة من هدي قرآننا الكريم بقوله تعالى: وَخَلَقْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّأََكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتْقَاكُم." وَما جاء في الأثر قول رسولنا الكريم: "الخَلْقُ كُلُّهُم عِيَالُ الله، وَأَحَبُ خَلْقِهِ إِلَيْهِأَنْفَعُهُم لِعِيَالِهِ". وقوله عليه الصلاة والسلام: خَيْرُالنَّاسِ أَنْفَعُهُم لِلنَّاسِ." والنَّاس في لغتنا العربيَّة اسمٌ للجمع من بني آدم. وبهذا، تعني عموم البشر على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ومعتقداتهم.

فِي إطار هذا الهدي الكريم، وتعدُّد أشكال الأخوَّة بالاختيار، يبدأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله جولته الآسيويَّة لمدَّة شهر، تشمل سبع دول آسيويَّة: ماليزيا وإندونيسيا وبروناي واليابان والصين والمالديف. يختمها جلالته بالمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة ليرأس وفد المملكة في القمَّة العربيَّة.

في مؤشِّر على الأهميَّة التي توليها المملكة لتقوية العلاقات الاقتصاديَّة مع دول شرق آسيا، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين في أندونيسيا أنَّ الزيارة ستشهد توقيع اتفاقيَّات تجاريَّة واستثماريَّة ستتركَّز على قطاع النفط، ومنها بدء برتامينا للطاقة المملوكة للدولة في جاكرتا مع أرامكو بتحديث أكبر مجمع لتكرير النفط في أندونيسيا. ومن المتوقَّع أن تسهم البنوك والشركات الآسيويَّة بأدوار في خطط المملكة لتطوير قطاعها غير النفطي وزيادة استثماراتها العالمَّية،وجميعها جزء من محاولات السعوديَّة؛ عملاق تصدير الخام لتقليص اعتمادها على إيرادات النفط.

بينما تمضي المملكة قدمًا في جهود تنويع اقتصادها، فإنَّها تسعى في الوقت ذاته إلى تقوية مركزها كأكبر مُصدر للنفط في العالم، وترسيخ وضعها كمورِّد رئيس للخام إلى أسواق آسيا. وستتوَّج زيارة الملك سلمان إلى اليابان التي تبدأ في 12 آذار/مارس، الأولى لعاهل سعودي إلى هذا البلد منذ 46 عامًا. وإحدى أبرز المحطَّات في هذه الجولة، وإن كان جلالته قد زار اليابان وهو أمير منطقة الرياض ومن بعد وزيرًا للدفاع، وأخيرًا وليَّ عهد للعرش السعودي، لتنمية العلاقات الاقتصاديَّة القائمة بين البلدين وتطوير أوجه التعاون التكنولوجي بعد أن رصدت المملكة استثمار ما يصل إلى 45 مليار دولار في صندوق استثمار بقطاع التكنولوجيا مع مجموعة "سوفت بنك" اليابانيَّة. كما تدفع قدمًا موقع المملكة كأكبر مورِّد للنفط الخام للأسواق في شرق القارَّة الاسيويَّة، الصين خاصَّة التي تنافس الولايات المتَّحدة الامريكيَّة كأكبر مستهلك للنفط في العالم. وتحظى ماليزيا؛ المحطَّة الأولى لجلالته في هذه الجولة التاريخية بمكانة مميَّزة لكون المملكة الشريك التجاري الأول معها. وستشهد توقيع عدد من الاتفاقيَّات؛ أبرزها بين عملاقي النفط السعودي والماليزي أرامكو وبتروناس. وتأمل الحكومة الماليزيَّة أن تجلب هذه الزيارة استثمارات سعوديَّة تصل إلى 25 مليار دولار.

بهذا تلتقي أيادي الأخوَّة من أقصى شرق القارة الاسيويَّة مع أيادي إخوانهم في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وهي في أقصى غرب القارَّة، لتحتضن بقوَّة وعزيمة صادقة القارَّة الآسيويَّة، أمُّ الحضارات، موفِّرة لسكَّانها حياة أفضل وعيش رغدٍ ومستقبلًا واعدًا بالخير للأجيال القادمة.

محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان

بان اورينت نيوز



اليابان والدول العربية