ابتهالات الشجن الدَفّاق: الفنان التونسي لطفى بوشناق يتحدث الى الفاتح ميرغني

لطفي بوشناق مع الفاتح ميرغني

" الغناء عمل ابداعي لا يمكن تجزئته إلى شعبي وحديث. فالغناء يكون أولا يكون."

خاص- بان اورينت نيوز- الشارقة

عشق الفن عشقاً صوفياً .. تغنى ببكائيات إبن الفارض في العِشق الإلهي والحب الإنساني، صوته فنان ونبره الحان وروحه أشجان. قال عنه الشاعر والاعلامي زاهي وهبي: "فنانُ حتى النخاع.. حتى الثمالة والرمق الأخير"!

الفاتح ميرغني:اينما حلّ لطفي بوشناق حلّ الفرح الدفاق. أرجو أن تحدثنا عن زيارتك إلى الامارات؟

الفنان لطفي بوشناق: شكراً أستاذ الفاتح أنا جئت إلى الشارقة للمشاركة في برنامج "منشد الشارقة"، وقد سبق لي وأن شاركت أيضاً في " عناقيد الضياء"، وهو عبارة عن اوبريت فني مسرحي مع الفنان علي الحجار وخالد الشيخ وحسين الجسمي ومحمد عساف .

الفاتح ميرغني: حدثنا عن مركز لطفي بوشناق للثقافة والفنون وما الدور الذي يقوم به ؟

الفنان لطفي بوشناق: هذا المركز تأسس بهدف رعاية المواهب وإتاحة الفرصة لهم للتعبيرعن مواهبهم. والحمد لله وبفضله نجح المركز في توصيل رسالته وما يزال. كما تم افتتاح فرع له في قطاع غزة ودول عربية.

الفاتح ميرغني: تم اختيارك كسفير للنوايا الحسنة من قِبل الامم المتحدة.

الفنان لطفي بوشناق: تم اختياري سفيراً للنوايا الحسنة للأمم المتحدة عام 2004. وهو ما أعتبره بمثابة تكليف لنشر رسالة الفن والمحبة والسلام، حيث شاركت في العديد من الفعاليات الثقافية العالمية، كما غنيت في العديد من دول العالم، بما فيها اليابان.

الفاتح ميرغني:جولتك في اليابان كان لها وقع خاص في نفوس اليابانيين..

الفنان لطفي بوشناق: انا أحب وأحترم تجربة هذا الشعب المثابر، .لقد وجدته شعبا متذوقاً للفن، وهو شعب محب لثقافته ولديه إحترام لثقافات الشعوب الأخرى.

الفاتح ميرغني: يقال أنك تمزج بين الغناء الحديث والغناء الشعبي.

الفنان لطفي بوشناق: الغناء عمل ابداعي لا يمكن تجزئته إلى شعبي وحديث، فالغناء يكون أولا يكون.

الفاتح ميرغني: يقول البعض بأنك تشكل امتداداً لبيرم التونسي وزكريا أحمد؟ ما هو تعليقك على ذلك؟

الفنان لطفي بوشناق: يزيدني فخراً وإحساساً بالمسؤولية.

الفاتح ميرغني: عاصرت عدداً من كبار الملحنين أمثال: سيد مكاوي وبليغ حمدي ومحمد الموجي. ما الذي استفدته منهم؟

الفنان لطفي بوشناق: كل جلسة وانت مع هؤلاء العمالقة تطلع بفكرة مدهشة وعبقرية.

الفاتح ميرغنى: ذكرت لنا من قبل بعض الاشعار العامية اللطيفة، هل هي من تأليفك ؟

الفنان لطفى بوشناق:لا، هى كلمات الشاعر المصرى الكبير ماجد يوسف..

الفاتح ميرغنى: ماجد يوسف، هو كاتب تلك القصائد، الخبّاز والحلّاق؟

الفنان لطفى بوشناق: هى أشعارعن كل المهن.

الفاتح ميرغنى: " كل المهن" هل هذا إسم الالبوم؟

الفنان لطفى بوشناق: إسمه مهن ، لكن لم يُنجز ولم يرالنور حتى الآن.

الفاتح ميرغنى: لماذا لم ير النور؟

الفنان لطفى بوشناق: كما أخبرتك، شركات الإنتاج لا تريد مثل هذه الموضوعات.

الفاتح ميرغنى: ولكنك استاذ لطفي تُغنّي للحب والجمال والسلام وحقوق الانسان، فلماذا ترفض تلك الشركات هذا الضرب الجمالي من الغناء؟
الفنان لطفى بوشناق: للأسف هذا هو الواقع، من ناحيتى لا أقدم على عمل غير مقتنع به، وراضى عنه، وشاعر به، ولا يكون استنساخ من مواضيع مستهلكه ومواضيع..

الفاتح ميرغنى: ممجوجة؟

الفنان لطفى بوشناق: نقول مسموعة ومتداولة، وأحب عندما أغنى أغنية، الا يتكرر ما سبق وغنّيته من قبل، وإلا يُصبح تضاد، وإطناب ويسمى تكرار، هذا ليس من سياستى.

الفاتح ميرغنى: أتذكر وأنا أٌجرى حواراً مع الشاعر فاروق جويدة فى الأهرام، ذكر لي أن أكثر ما يخاف منه، أن يكرر نفسه ، لأن الناس ستقول فاروق جويدة يكرر نفسه، وهذا إفلاس، على حد تعبيره.

الفنان لطفى بوشناق: طبعاً إفلاس، عامةً أنا أقوم بالإنتاج من مالى الخاص، وإن لم أقتنع بالعمل لا أقوم به، حتى لو كان بلحن جديد، فما يهمنى هو الموضوع.

الفاتح ميرغنى: نتمنى يا أستاذ أن ترى هذه الأعمال النور ... هل خضت تجربة الفيديو كليب؟ وما رأيك فيها؟

الفنان لطفى بوشناق: إنسان جاهل من لا يدرك أننا نعيش عهد الثورة فى الصوت والصورة، الفيديو كليب أصبح حقيقة فى حياتنا، لكن الفيديو كليب لابد أن يضيف الى الأغنية بإبداع فى الصورة، والفيديو كليب الناجح من وجهة نظرى، تلغى الصوت، وتنظر الى الصور الموجودة، الصورة تبلغك معنى ومضمون الأغنية، وإلا فلا داعى للعمل، هذا رأيّ الخاص.

الفاتح ميرغنى: أرجو أن تحدثنا عن النزعة الصوفية التى نشعر أنها طاغية فى المغرب العربى أكثر من المشرق العربى؟

الفنان لطفى بوشناق: الغناء روحانى أو لا يكون، فعندما تؤدى عمل فنى لابد أن ترقى إلى الدرجة الثانية، وأنت لو تمكنت ولو وفقك الله وكنت صادقاً فى الكلمة وفى اللحن وفى الأداء، ترتقى وهذا ما أسموا اليه دائماً، أن أرتقى إلى الدرجة الثانية، لكى أمنح فرصة للمتلقى لكى يرتقى معى لهذه الدرجة ... بالنسبة لى، الإبداع والمبدع هو الشخص الوحيد الذى يملك القدرة ليرتقى بك..

الفاتح ميرغنى: يسمو بك..

الفنان لطفى بوشناق: يسمو بك إلى الدرجة الثانية، لتعيش لحظة، تشاهد بعينك و تسمع بخيالك، وهذا ليس فى الفن فقط، بل فى الإبداع بشكل عام ... أن ترتقى الى الدرجة الثانية ، بمعنى أن تصعد للأعلى، وتأخذ الناس معك، أو ستصبح إنسان عادى.

الفاتح ميرغنى: هل الدرجة الثانيه نوع من السمو الروحى، أى نوع من التصوف؟

الفنان لطفى بوشناق : نعم بالتأكيد.

الفاتح ميرغنى: إذن أنت تتفق معي بأن التصوف فى المغرب العربى يعتبر طاغ وكثيف، وكلما اتجهنا ناحية المشرق يقل هذا التصوف؟

الفنان لطفى بوشناق : أعتقد انها التسميات، ونحن العرب لدينا بشكل عام روحانيات كثيرة، وفى ديننا الروحانية مهمة جداً ، تعبد الله وكأنك تراه، وأنت تصلى وأنت تعبد الله سبحانه وتعالى، لابد أن ترقى لدرجه عالية، فأنت أمام مالك الملك، فهذه روحانية عالية جداً، وتعتبر كتمرين يومى، فى حياتنا نحن كمسلمين، يجعلك ترقى لتقول كلمة تبقى فى الذاكرة، موقف يبقى فى الذاكرة، تصوِر صورة تبقى فى الذاكرة، هذا هو الإبداع، وهو غير محصور فى طبقة معينة، أى ليس للمغرب العربى فقط، بل الروحانية موجودة فى الشرق، وفى العالم كله، فهى شئ عالمى.

الفاتح ميرغني: هناك جدل دائر في وسائل التواصل الاجتماعي بين الجزائريين والمغاربة حول اغنية "سيدي حبيبي". هل هي جزائرية أم مغربية؟

الفنان لطفي بوشناق: الفن الجميل ليس له وطن فهو يمكن أن يكون مغربياً أو جزائرياً أو سودانياً أو تونسياً، الفن للانسانية جمعاء.

الفاتح ميرغني: قصيدة "شويخ من ارض مكناس وسط الأسواق يغنّي" تغنى بها العديد من المبدعين في العالم العربي أمثال كاظم الساهر وأسماء المنّور وحنان النيل وشمس الكويتية..إلخ. أرجو أن تحدثنا عنها باعتبارك من المهتمين بالتراثيات والاندلسيات، وهل سبق وأن تغنيت بها؟

الفنان لطفي بوشناق: أنا تغنيت بالعديد من الأغاني التراثية في الزجل الأندلسي والقدود الحلبية، ولكني لم اتغن بـ "شويخ من ارض مكناس"، وهي ألّفها المتصوف أبو الحسن الششتري ولحّنها الموسيقار البحريني خالد الشيخ على مقام "الراست"، وأول من تغنى بها هو أحمد الجميري، ثم انتشرت بعد ذلك ليتغنى بها، إضافة إلى من ذكرت، العديد من المطربين امثال: عبد الرحيم الصويري والحاجة الحمداوية وآخرين. وهي من الأغاني التراثية عظيمة المعاني.

الفاتح ميرغنى: أستاذ لطفى نعرف أنك شاركت فى العمل السينمائى السودانى رحلة عيون، بطولة..

الفنان لطفى بوشناق: صلاح ابن البادية..

الفاتح ميرغنى: والفاضل سعيد والراحل محمود المليجى وسمية الألفى...

الفنان لطفى بوشناق: وأنور هاشم..

الفاتح ميرغنى: ما انطباعك عن هذا الفيلم؟

الفنان لطفى بوشناق: تجربة جميلة جداً، مكنتنى من الغوص فى أعماق السودان، هذا البلد الجميل، ليس من باب المجاملة، إنما فعلاً بلد من أجمل البلدان بطبيعته ومياهه وغاباته... كذلك بأهله، جود وكرم وشهامه وفن وثقافه، أنا أحب هذا البلد.

الفاتح ميرغنى: تسلم تسلم

الفنان لطفى بوشناق: ليس لأنك من هذا البلد

الفاتح ميرغنى: ونحن أيضاً نحبك..

الفنان لطفى بوشناق: أنا أحب هذا البلد جداً، حيث الطبيعة والروحانية التى تحدثنا عنها ... وأغتنم الفرصة كذلك وأدعوا الله أن يبعد البلاء عن هذا البلد، وأن يوحد صفوفهم ويوحد كلمة قادتهم، ويا رب يبعد عنكم الفتنة وعلى كل الأمة العربية وعلى الإنسانية قاطبة.

الفاتح ميرغنى: آمين يا رب العالمين

الفنان لطفى بوشناق: أنا كفنان وكإنسان وكروحانى أصابنى الملل وتعبت من الدماء وتعبت من الحروب والقذائف والطيارات والسلاح ... عندما أشاهد التليفزيون، أحاول أن أتخيل ما سيكون عليه شبابنا، الذين اعتادوا هذا المنظر يومياً، وهذا التعوّد شئ خطير وخطير جداً.

الفاتح ميرغني: كثيراً ما تعبّر عن أوجاع وهموم الناس في أغانيك..

الفنان لطفي بوشناق: لدى أغنية انتهيت منها مؤخراً بعنوان "كلمة عندى"...

الفاتح ميرغنى: ممكن نسمع جزء منها؟

الفنان لطفى بوشناق: هى "كلمة باختصار، كلمة لأصحاب القرار،
يكفينا من الحرب والدمار وعايزين نعيش فى أمن وفى سلام".
فاض الكيل من هذه المشاهد، ولا أعرف، ماذا يُنتظر من شباب تفتحت أعينهم على هذه المشاهد، نحن تربينا على أفلام الحب والعشق وأفلام التاريخ والأفلام ذات المضامين ... فى كل يوم وعندما تشاهد الأخبار، تجد دماء وقنابل وتدمير وحرق وقتل، وهنا أتساءل، الشاب الذى تربى على هذه المشاهد، كيف ستكون نظرته للمستقبل؟ كيف سيتعامل مع الحياة؟ شئ خطير جداً، يكفى حرب ودمار.

الفاتح ميرغنى: نتمنى أن يعم السلام ليس فقط الوطن العربى بل وكافة ربوع العالم.

الفنان لطفى بوشناق : يا رب.

الفاتح ميرغني: في حوارك مع الاعلامية منى الشاذلي قلت: "إن العالم العربي الآن يعيش أسوأ فترات الإنحطاط". ما هو دور الفنان للخروج من هذه الحالة ؟

الفنان لطفي بوشناق: انا دائماً ما اقول أن ما تبقى في يد العرب هو الثقافة والفنون. وإهمالنا للثقافة والفنون يجعلنا جميعا مشاركين في هذا التراجع. والثقافة هي أساس الثورات والنهضة. الفنان يجب أن يقدم فنه بكل تجرّد، لأنه الذاكرة الجمعية للأمة، فبدون الفن والفنانين لا تستطيع اُمة أن تنهض وتسمو. وأزهى العصور التي عاشها العرب في تاريخهم هي المرحلة التي ازدهرت فيها الآداب والفنون .

الفاتح ميرغني: "انا العراقي" و"أنا المواطن"و"خليك صامد يا فلسطيني" و"أنا اليمني" ..إلخ، أغنيات لا تخلو من دلالات سياسية. هل تحب السياسة؟.أم أن الفنان ينبغي أن ينغمس في الشأن العام بصرف النظر عن حبه للسياسة من عدمه؟

الفنان لطفي بوشناق: أنا لست سياسياً وليس بالضرورة أن يكون الفنان سياسياً ليهتم ويتفاعل مع قضايا أوطاننا وشعوبنا العربية وهمومها ومشاكلها.

الفاتح ميرغنى: ذكرت لي فى سياق الحوار بعض القصائد الجميلة جداً، وهى قصائد معبّره عن نبض الشارع ومدى التصاقك بجمهورك من البسطاء، وأكدت أن الفنان اذا لم يعش بين البسطاء، فهو يفقد خاصية كبيرة جداً، وهى كونه فنان، لأن الفنان فى الأساس، لا ينبغى له أن يعيش فى برج عاجى، وقد ذكرتَ لى بعض القصائد عن بعض المهن، لو ممكن نسمع قصيدة واحدة منها.

الفنان لطفى بوشناق : دعنا نتكلم عن الخبز ...

الفاتح ميرغنى: قصيدة الخبّاز( Le boulanger) ؟

الفنان لطفى بوشناق: الخبّاز للشاعر المصرى الكبير، ماجد يوسف، يقول فيها: "طول النهار فى لفح نار، والدنيا حر مصهده، لهب سعير، ومفيش مجير، حتى الكلام ملهوش صدى، وشى اتسلق لحمى اتحرق، من نار أكوله مرمّده، حتى الهوا تحسه انشوا، أنفاس شيطان متصعده، أما الأتون الحيزبون، أعرق أنا يزداد رضى، أرمى الرغيف تسمع حفيف، وكأنه من جمر اللضى، حتى العجين له صوت أنين، وكأنه قد حُمى الأضى، وأرص جيش من ألف عيش، ولا تلقا عينى مغمضة، دنا لو سهيت لحظة ونسيت، يبقى الخبيز راح وانقضى، وانا زى تور عمال يدور، والخلق واقفة مفرهدة، والى رقّع طالب مفقع، ومحامى زء الممرضه، واللى نقى وانا عرقى مرئى ، والى أخد بعضه ومضى ، وده الى كان باين جعان، فى رغيف ونازل عضعضه، والى تخينه أد السفينه، واقفه كده ومتعرضه، وانا اطلّع والخلق تبلع، حتى العيال المئرئده، وبقالى مده بحلم بواحده، تفك روحى بالفضفضه، أحكيلها همى وحرق دمى، نحلم بلحظه مفرهده، يا جميل يا فندى، جه دوره عندى، تسلم عيونك يا مرتضى، الحمد لله فى كل مله، وبإذن بكره تكون رضى."

الفاتح ميرغنى: بإذن بكره تكون رضى.

الفنان لطفى بوشناق : يارب .

الفاتح ميرغنى : هل غنيت أغانى سودانية؟

الفنان لطفى بوشناق: لحنت فى الجو السودانى، فى السلم الخماسى. ونحن عندنا فى تونس الطريقة الخماسية، وأنا تربيت عليها من صغرى، ولدى ألحان بها .

الفاتح ميرغنى:عرفت أنك من المعجبين جداً بالفنان محمد وردى والفنان سيد خليفة.

الفنان لطفى بوشناق: يا سلام يا سلام، أحب أن أستمع إليهما كثيراً، وتجد هذه الأجواء لدى، فى أكثر من لحن.

الفاتح ميرغنى: جميل جداً، شكراً جزيلاً يا أستاذ على هذا الحوار، ونتمنى أن نلتقيك مرة أخرى – وكما قلت لى ستزور اليابان قريباً للمرة الرابعة - إن شاء الله نلتقيك فى اليابان أيضاً، فى حوار آخر، شكراً جزيلاً.

الفنان لطفى بوشناق : شكراً حبيبى، ألف شكر أستاذ الفاتح.

الفاتح ميرغني محرر أول في بان اورينت نيوز
بان اورينت نيوز- حقوق النشر محفوظة



لقاء خاص