اليابان التي يمكن أن تقول ``لا``

طوكيو- الثلاثاء 7 يونيو 2011 /بان أورينت نيوز/

الكاتب: أنثوني راولي – خاص إلى بان اورينت نيوز

"اليابان التي يمكن أن تقول لا" عنوان كتاب شارك في تأليفه عام 1989 وزير نقل اليابان آنذاك شيناترو إيشيهارا مع أحد مؤسسي شركة سوني أكيو موريتا. وأثار الكتاب موجات من الجدل بسبب أسلوبه الحازم جداً الذي أراد قلب الصورة النمطية عن اليابان "المطيعة" التي لايمكنها قول "لا" للولايات المتحدة مثلاً.

ولكن عنوان ذلك الكتاب يلخص أيضاً الأسلوب المؤسف لبعض الوزراء اليابانيين.

فقد أعادني ذلك العنوان بالذاكرة إلى بضعة أسابيع خلت عندما كنت أغطي الاجتماع السنوي لبنك التنمية الآسيوي في هانوي الذي اتضح خلاله (حتى قبل قضية دومينيك ستراوس – كان المؤسفة) أن وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد يمكن أن تكون الرئيسة القادمة لصندوق النقد الدولي.

وقررت أن أجس نبض بضعة من وزراء المالية الذين حضروا الاجتماع لمعرفة وجهات نظرهم بالسيدة لاغارد، بعد أن أجريت أولاً حديثا مع السيدة نفسها (التي كانت في هانوي) وكان كل شيء فيها مقبولاً وساحراً يعكس مؤهلاتها الرفيعة.

وأجريتُ أولاً (نيابة عن صحيفة الأسواق الصاعدة) حديثاً مع نائب وزير المالية الصيني لي يونغ الذي قال بشكل لبق إن القضية "معقدة" وأنه فضل عدم التعليق على تلك النقطة. وبنفس الطريقة، رد وزير المالية الهندي براناب موكهيرجي بشكل لبق بالقول "دعونا نتمهل."

وأجريتُ حديثاً ودياً وصريحاً حول القضية مع وزير المالية الإندونوسي أغوس مارتوواردوجو ووزير مالية بانغلادش أبو، بينما أجرى زميل لي دردشة لطيفة مع باكوا كالتونغا وزير مالية فانواتو لمعرفة وجهة نظر بلاده الصغيرة.

ولا تكتمل وجهات النظر الآسيوية بدون اليابان، لذلك اقتربت من وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا حسب الأصول لمعرفة رأيه. وبدأت بالقول "أعذرني سيادة الوزير...أتساءل ما إذا كنت تسمح لي بسؤالك عن قضية..." فقال حتى قبل أنهي الجملة، "لا" وتابع طريقه.

لقد اعتاد المراسلون على رفض الرد على أسئلتهم في المناسبات لكن يوجد كما يقولون "طرائق وطرائق" للرفض والطريقة التي تختارها اليابان بالقول "لا" في المناسبات ليست في صالح صورة البلاد، برأي كاتب هذه السطور.

ونودا ليس الشخص الوحيد الذي يثير بأسلوبه هذا بعض الإستياء. فقد رأيتُ مسؤولين حكوميين يابانيين كبار آخرين إما يلوحون بأذرعهم أمام وجوههم (لرسم علامة إكس x التي تعني في الثقافة اليابانية "لا") أو ينتابهم القلق إلى حد الرعب عندما أقترب طلباً لتعليق باللغة الإنكليزية.

وهذا مجال يبين أن اليابان بحاجة ماسة إليه مقارنة مع الصين. ففي تجربتي في تغطية المؤتمرات المالية الدولية والاجتماعات الأخرى لسنوات عديدة، كثيراً ما أثارت إعجابي المواقف اللبقة لوزراء ومسؤولين صينيين.

والسيد لي يونغ مثال على ذلك والمثال الآخر حاكم مصرف الشعب الصيني زهو شياوتشوان. وكلاهما يبدو على حد سواء باللغة الصينية أو الإنكليزية متلهفا للاستجابة للصحافة الأجنبية، على خلاف السيد نودا أو حتى حاكم مصرف اليابان ماساكي شيراكاوا.

والقضية ليست فقط أن عليهم أن يكونوا لطفاء مع الصحفيين. فهناك مسائل أخرى في غاية الأهمية. فالمسؤولون الصينيون غالباً ما يتشجعون ويتحدثون باللغة الإنكليزية في الاجتماعات الدولية إلى المصرفيين ورجال الأعمال وغيرهم الذين يتوقون للتعرف على الإمكانيات الاقتصادية للعملاق الآسيوي الصاعد.

وعادة يقدم المسؤولون الصينيون معلومات غنية موجزة ودقيقة ويعترفون أن الصين تواجه تحديات هائلة في تطورها، بينما يلخصون ما تقوم به الحكومة لمعالجة هذه التحديات. ويسجل المستعون تصريحات عديدة يرتاحون لها.

وفي الحقيقة، نادراً ما سمعت خلال تجربتي مسؤولين يابانيين يمنحون لقاءات مماثلة. وأعتقد أن هذا يساهم في قلة الاهتمام الملحوظ باليابان في الاجتماعات الدولية، خلا عن حقيقة أنها تتراجع بسبب التقدم التدريجي للصين كقوة آسيا القيادية.

ولكن لم يكن الأمر هكذا دائماً. فعلى سبيل المثال، عندما كان إيسوكي ساكاكيبارا (الملقب بالسيد ين) نائب وزير مالية اليابان للشؤون الدولية في أواخر التسعينيات، طبع هذا الموظف الذكي والفطن بشكل ثقافي اسم ووجهات نظر اليابان بحزم على الخريطة العالمية وتمكن من مناقشة الكبار.

وكذا كان خلفه نائب وزير المالية هاروهيكو كورودا الذي كان دائما متحدثاً فصيحاً قادراً على إيصال أفكاره في أي نقاش. لقد نقل كورودا هذه الكفاءات إلى عمله الحالي كرئيس لبنك التنمية الآسيوي وهو الآن أحد "السفراء" الجيدين لليابان الذين يتناقص عددهم.

ويبدو المسؤولون الماليون والآخرون اليابانيون أقل دوليين في الوقت الحاضر مما كان عليه أسلافهم (برغم أنني أستثنى من ذلك نائب مدير إدارة صندوق النقد الدولي ناويوكي شينوهارا ورئيس مصرف اليابان للتعاون الدولي والمدير التنفيذي هيروشي واتانابي.)

وربما بعض أسباب ذلك تعود إلى أنه يُفترض من المسؤولين، في ظل الحزب الديمقراطي الحاكم، أن يكونوا مثل الأطفال في إنكلترا الفيكتورية. وكان يُطلًَب منهم أن "يظهروا شكلاً ولكن لايُسمَع صوتهم". ويُفترض أن التصريحات كانت يجب أن تأتي من قبل الوزراء فقط. وكل ذلك شيء جيد شرط أن يكون لدى الوزراء ما يقولونه عدا كلمة "لا". وهي كلمة لاأحب سماعها في هذا السياق.

* أنتوني راولي خبير في الشؤون الاقتصادية والمالية لمنطقة شرق آسياً. مقيم في طوكيو.

الصورة: وزير المالية نودا في يسار الصورة مع بعض وزراء المالية المشاركين في إجتماع بنك التنمية الآسيوية. مصدر الصورة: بنك التنمية الآسيوي

بان أورينت نيوز



أعمال واقتصاد